الشاعر الحر مشرف
عدد المساهمات : 244 نقاط : 248 السٌّمعَة : 50 تاريخ التسجيل : 10/08/2009
| موضوع: من اشعار زائد صمامه الثلاثاء أغسطس 11, 2009 4:47 pm | |
| أحكمت إيطاليا قبضتها الحديدية على أغلب مدن وقرى وأرياف ليبيا في مطلع العشرينات من القرن الماضي، بعد أن حشدت لذلك الجيوش الجرارة المجهزة بإحداث الأسلحة في تلك الفترة بما في ذلك الطيران الحربي الذي استعمل في الحروب للمرة الأولى . ومع سيطرتها على مقاليد الأمور ، أصبحت الحياة الاجتماعية والثقافية في تردي ومن سوء إلى أسوأ ، فقد تسلط الإيطاليون على كافة الأعمال والأنشطة وتحكموا في كافة الخدمات باستثناء بعض الأعمال الشاقة والتافهة ، التي تركوها للأهالي ، مما انعكس على حياتهم سلباً ، فعم الفقر والجوع وانتشرت الأمراض وعاشوا في نكد وتعب . هذا على المستوى الاجتماعي ، أما على المستوى الثقافي والعلمي فحدث ولا حرج ، فلقد عمل هذا المستعمر البغيض ، كل جهده على إجهاض أي محاولة يقوم بها الشعب لتعليم أبنائه ، وحرص على أن يعم الجهل كافة فئات المجتمع ، كما حرص على عدم ترك واحد من أبناء البلاد في موقع علمي متقدم ، ففي الوقت الذي فتح فيه المدارس في جميع أرجاء البلاد لتعليم أبنائه ، إغلاقها في وجه الليبيين ، حتى المساجد والزوايا والكتاتيب التي كانت تعلم الأطفال القرآن الكريم واصول الدين عمل على محاربتها وتشتيت شيوخها والمشرفين عليها . استمر هذا الوضع الاجتماعي والثقافي المتردي حتى بعد دخول الجيش الإنجليزي للبلاد في يناير 1943 م بل ازدادت الحالة سوء ، واصيب الناس بخيبة أمل كبيرة في القادم الجديد ، فحرص اكثر من سابقه على تجهيل الشعب وتجويعه وعزله عن العالم المحيط به ، فانطفأت أي بارقة أمل ، وخاب ظن الناس في الإنجليز وتأكدوا بأنهم لن يقدموا لهم أي شيء يمكن أن يخفف أو يحسن من وضعهم . في هذه الظروف وتحديداً عام 1928 م ولد المرحوم زائد المهدي صمامه في مدينة زواره الساحلية الهادئة الجميلة ، هذه المدينة التي حرص الإيطاليون على احتلالها منذ بداية دخولهم ليبيا ، وذلك لما تتمتع به من موقع إستراتيجي مهم كمدينة حدودية من ناحية ، ولما تتمتع به من جمال طبيعي وهدوء وشاطي جميل من ناحية اخري ، فتم لهم ذلك بعد معارك طاحنه في سيدي سعيد وسيدي علي وصاك عبد الصمد ، فسيطروا عليها سيطرة تامة واحكموا قبضتهم عليها ، وكان حظها لا يختلف في شيئاً عن بقية المناطق الأخرى التي تم احتلالها . في هذه المدينة ولد الشاعر الكبير زائد المهدي صمامه ، في أسرة بسيطة كأغلب الأسر الليبية في تلك الفترة ، تنتمي إلى لحمة أولاد أبوديب من قبيلة أولاد عيسى إحدى اكبر قبائل بني ويلول ، كان أبوه يمتهن حرفة الصيد ، وهي من الحرف السائدة في مدينة زواره منذ القدم باعتبارها مدينة ساحلية، وتشكل هذه المهنة مع مهن التجارة والزراعة البعلية المهن الأساسية للسكان ، وأسرة صمامه تميزت بالصيد البحري ومارسها اغلب أفرادها بما فيهم شاعرنا المرحوم زائد صمامه . وفي هذه الأسرة البسيطة والفقيرة نتيجة الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد نشأ المرحوم بين ثلاثة أشقاء وثلاثة شقيقات وكان ترتيبه الوسط بينهم ، عاش فترة طفولته بين مدينة زواره والأرياف المحيطة بها ، وقضى أغلب سنوات عمره في منطقة المربعه قرب سيدي علي ، وهي إحدى أرياف مدينة زواره الهادئة المتميزة بنخيلها الباسق وأشجار الكروم ، وعذوبة المياه ، والشاطئ الرملي الجميل . تعلم حرفة أسرته ومارسها منذ فترة شبابه حتى أواخر عمره وكان من أمهر الغطاسين ، عمل مع أشقائه في مساعدة والده على مواجهة الظروف الصعبة التي عاني منها أهالي البلاد في نهاية الثلاثينيات وفي فترة الأربعينيات والخمسينيات ، حيث بدأ العمل في سن مبكرة كأغلب أقرانه ، وأبناء جيله ، وعندما ضاقت الأمور في المنطقة الغربية وعم الجفاف في السنوات المعروفة بسنوات الزمة ، سافر من اجل لقمة العيش . في نفس تلك الفترة ، وفي مكان قريب من مكان إقامة أسرته ، كانت تقيم أسرة أخرى تربطهما يبعضهما البعض صلة قرابة قوية ، والفرق الوحيد بينهما إن الأسرة الثانية تعيش في ظروف مادية واجتماعية أفضل بكثير ، وتتمتع بالاستقرار أكثر ، حيث تمتهن الزراعة وتمتلك الكثير من الأراضي والمواشي . في هذه الأسرة نشأت الفتاة التي أحبها المرحوم وعشقها في مطلع شبابه ، وعاش من اجلها بقية حياته ، وقال فيها جميع أشعاره ، وظل وفياً لها ولحبه العذري الطاهر حتى مماته . ولكن ككل قصص الحب الصادقة والمعروفة عبر التاريخ لم تنتهي بمها يجب أن تنتهي عليه ، وتدخل القدر وبكل قواه وحرم الحبيب العاشق من حبيبته وعشيقته ، التي ظلت ملهمته في جميع أشعاره وأصابه منها ما أصاب المجنون من ليلاه ، ورغم انه ( خسر معها زوز طروح شكبه ) ولم يكسب من مشروعهما المشترك سوى التعب والشقاء وانه أضافت إليه مع الصد والهجران والنسيان ثلاثة أشياء أخرى هي ( سبه ودفله وصاحبتهم كبه ) ورغم كل هذا فإنه أصر على أن يبقى ( ستين في مطلوعه ) حتى تستمر اللعبة أطول ما يمكن ، ويبقى هو معلق بها حتى مماته . أستسمج كل من يهمه أمر هذه القصة واعتذر عن هذه الإشارة إليها ، رغم إنني كنت أتمنى أن أتطرق إليها أكثر ، واتحدت عنها بتفصيل أعم وأشمل ولكن … احتراما لرغبة والدي أولاً ، ولبعض الاعتبارات اكتفي بهذه الإشارة وأمري لله . وكل ما أستطيع أن أضيفه إلى هذه الإشارة ، هو أن قصة صراع هذا الشاعر هي قصة صراع بينه وبين قلبه ، هذا القلب الرقيق الحساس الذي رفض نسيان من أحب فعاش ينبض بها حتى النهاية ، وصراع بين الغنى والفقر .. بين مراكز القوى ورقاد لرياح .. بين الوجهة والبساطة .. باختصار شديد وبوضوح أكثر هو صراع بين ابن شيخ القبيلة بكل ما يملكه من مال وجاه ونفوذ ، وبين ابن بحار بسيط فقير من أبناء هذه القبيلة ، ونتيجة هذا الصراع الغير متكافئ هو فقدان هذا العاشق الولهان والمحب الصادق لمحبوبته وخسرانها إلى الأبد .. وعاش بقية عمره يتغذى من ألم فراقها ومرارته، ويعاني من نيران هجرانها وجمراته. شقت هذه الحبيبة حياتها ، وشق هو حياته ، وأخذ كل منهم طريقة ، إلا أنه ظل يغني لها أكثر من أربعة عقود من الزمن ، ورغم أميته فإنه قال فيها من الشعر ما يوازي ما قاله أكبر الأدباء والشعراء المتعلمين في هذا الجانب ، بل وتفوق عليهم في أحيانا كثيرة من ناحية الصور الشعرية الرائعة التي جاء بها ، صور دقيقة مع إيقاعات فنية موزونة بدقه ، وأسلوب شعري سهل ممتنع متميز تميز به وحده ، وصوت جميل شجي ممتزج بأحلامه التفاولية أحيانا والسوداوية في كثير من الأحيان ، ومما زاد صوته حلاوة وكلماته تأثيرا هو صدقه في الأداء ، وعشقه وحبه ووفائه لمن أحب ، صوت ما زالت أصداه ترن في وجدان كل من استمع إليه ، حتى أصبح شيخ العشاق عن جدارة واستحقاق ، وفارس من فرسان الغزل المعدودين ، فارس تخصص في هذا اللون من الشعر دون سواه وأبدع فيه ، حتى المحاولات القليلة التي قام بها في ألوان الشعر الأخرى لم تكن في مستوى قصائد لبرق وتيجي والجبل نالوني ، وجيتي بعيده ومسكنك في الظهرة ، ويا قلب يا حزين نوظ استاعي ، أو قصائد خيالي هبا ، وعيون سود ، وبسمة مرادي ، وغيرها من القصائد الأخرى الغير معروفه ، والتي تداولها مع أصدقائه فقط وفي جلساته الخاصة . هذا هو زائد صمامه الشاعر والعاشق المحب ، أما زائد صمامه الإنسان ، فهو رجل بسيط طيب القلب محبوب من الجميع ، عزيز النفس عف اللسان ، عالي الهمة والأخلاق ، حسن المعشر ، كادح شق حياته في هذه الدنيا بكل متاعبها وهمومها ومشاكلها ، كون أسرة كبيرة كان لهم نعم الأب الحنون والراعي لهم والساهر على مصالحهم حتى شق كل منهم الطريق الذي اختاره لنفسه ، مارس العديد من المهن أهمها الغطس والصيد البحري ، كما اشتغل في عدد من الشركات من بداية الخمسينات إلى تاريخ وفاته . انتقل إلى رحمة الله تعالى في شهر يناير عام 1997 م أثر مرض لم يمهله طويلا ،رحل تاركا الحسرة واللوعة في قلوب أفراد أسرته ومحبيه وأصدقائه ، حيث كان رحمة الله يتمتع بعلاقات وصداقات عديدة داخل مدينة زواره وخارجها ، رحل بعد أن ترك وراه تراثا شعريا زاخرا ، ويعتبر رحمة الله من كبار الشعراء الشعبيين في ليبيا شارك كضيف شرف في العديد من المهرجانات الشعرية داخل الوطن وخارجه رحمه الله واسكنه فسيح جناته [1] العبارات التي بين القوسين هي مقاطع من قصيدة خيالي هبا ، والمقصود بكلمة كبه هي الدف أو الدفع ويعني بها الصد والهجران ، وكل من كان ستين في مطلوعه في لعبة السكمبيل ألمعروفه محليا يبقى أمره معلقا إلى الشوط الذي يليه وهكذا بقى أمر الشاعر معلق إلى نهاية عمره .. | |
|